في المجتمعات المتشبعة بالديمقراطية يقابل كل فرد قرر مزاولة عمل ما بالاحترام
و التقدير مهما كانت القيمة المادية و المعنوية لهذا العمل، حتى و إن اختار بيع
البدور و المكسرات (مثل مول الزريعة عندنا هنا في المغرب) المهم أن تكون مهنة
شريفة و تحترم القانون، لأن الإنسان الذي يطمح إلى تحسين وضعه المعيشي و يساهم في
رفع مستوى الإنتاج القومي لبلده يعتبر عنصرا منتجا شأنه من شأن أي مسؤول أو موظف
كبير، هذا في عالم المجتمعات الديمقراطية التي تأسست على المبادئ الإنسانية و
التعايش و الاحترام حيث الإنسان هو مركز الحضارة و منبع تجددها و التي من دونه لا
يبقى لوجودها معنى، و ليس في بلد تحولت فيه المواطنة إلى امتياز صعب المنال
كامتيازات تلك الكريمات التي جاء ذكرها في لائحة خرجت ذات يوم من درج مكتب وزير
.النقل و التجهيز ثم اختفت عن الأبصار
ليس في بلد تستباح فيه
كرامة المواطن و تصادر فيه مواطنته و تباع فيه الحقوق بالرشاوى و الإتاوات،حيث
الثقافة الرسمية السائدة هي ثقافة الاحتقار و الإقصاء، و ما صدر عن النائب المحترم
السيد عبد الطيف وهبي عن حزب الأصالة و المعاصرة في واحدة من جلسات البرلمان
العلنية ليس سوى إسقاطا لتلك النظرة الفوقية المستعلية من طرف النخبة السياسية و
الرأسمالية المقتدرة نحو القاعدة الفقيرة
المفقرة التي لا تملك إلا كرامة مهددة بالاستباحة في كل لحظة، بعدما تم تجريدها من
حقوقها المعنوية و الاجتماعية و الاقتصادية و كذا السياسية ليتم توظيفها في عمليات
انتخابية كبرى حددت و مازالت تحدد خرائطها و معالمها الوزارة الأم بتواطؤ مع
كائناتها الحزبية المستنسخة و التي استفادت من سخائها المالي و اللوجيستيكي و
من اقتصاد الامتيازات و الريع الذي ظلت
مشرفة على توزيعه طيلة عقود، و لابد أن السيد وهبي يذكر جيدا تلك اللافتات التي
رفعت ضد حزبه في مسيرات حركة 20 فبراير بداية سنة 2011 واصفة إياه بحزب الدولة
الذي استفاد من دعمها لتقويض ما بقي من مشهدنا السياسي التراجيدي
إن ما وصل إليه اليوم المغرب من انحطاط في كل المجالات الأساسية من تعليم
و صحة و توظيف... هو نتيجة حتمية للسياسات اللاوطنية التي نهجتها قوى الاستبداد
المتحكمة تاريخيا في موارد الوطن و مقدراته، و التي تمكنت بفضل مخططاتها تلك، من
إلغاء مفهوم العدالة الاجتماعية في تقسيم الثروات، و رسمت خريطة طريق نحو الإقصاء
و التفقير الممنهجين، اتخذت من الجغرافيا و العرق و اللغة أحد محددات الاستفادة من
التنمية، مخلفة تباينا فضيعا، ليس بين المناطق المتباعدة فحسب، بل حتى داخل المدن
و .فيما
بينها، و راحت ضحيته فئات شعبية عريضة، عانت تهميشا اجتماعيا و ثقافيا و اقتصاديا
فلا غرابة إذن، بعد هذا المشوار الطويل الحافل بالمؤامرات و الدسائس، أن
نكتشف في النهاية ملامح وجهنا الحقيقية على مرآة الواقع، و نعرف أننا كنا غارقين
في بحر من المثاليات الزائفة، أغرقنا فيه
سفسطائيو دار المخزن، لغاية في أنفسهم طبعا، و أن كل ما ردد عن هذا الوطن
الحبيب من مقولات شائعة قديما و حديثا، من قبيل "المغرب بلد السلم
والتعايش"، "المغرب أجمل بلد في العالم"، "الانتقال الديمقراطي"،
"الاستثناء المغربي"، هي عبارات عذبة و رنانة، لكنها للأسف تسبح ضد تيار
الواقع الذي فرض علينا أن نعيشه كمواطنين مع وقف التنفيذ بدون حقوق مكتملة، لنكتشف
أننا بشعون جدا و إيماننا بالتعايش ضعيف و قبولنا للاختلاف ناذرا ما يحدث و أننا
نعاني التعصب و نمارس العنصرية فيما بيننا بوقع أشد من تلك التي يمارسها الأوربي
أو الأمريكي على المغربي المقيم هناك ببلاد الغربة و أننا نعشق ممارسة الاستبداد
على بعضنا و نتلذذ بتعذيب النفس و جلد الذات ماديا و معنويا و لا تتحقق بداخلنا
النشوة و المتعة حتى نهين ضعيفن و نقلل أدبنا عليه
قد يقول قائل أنني
مجرد حاقد أو سوداوي النظر أو جاحد نعمة ،لكن! أأكد أني تساءلت كثيرا و أعدت مرارا
و تكرارا طرح بعض الأسئلة ذات البعد الجدلي، على شاكلة "هل نحن حقا نقبل
التعايش مع اختلافاتنا ؟"، "هل مازالت قلوبنا تلامس ذلك الإحساس الرفيع
الذي يسمى الإنسانية ؟"، "هل نحن عنصريون أم متعصبون إلى درجة
الشوفينيزم ؟"، هل نحب بعضنا بصدق ؟"، "هل.. و هل .. و هل... ؟
لأجد دائما نفس الأجوبة تطاردني و تتقاذفني كما الأمواج تتقاذف مركبا تائهة
تطاردها عفاريت البحر و أشباح الظلام. أولا
يندرج كلام السيد المستشار وهبي ضمن نطاق العنصرية من خلال العبارات
التشبهية التحقيرية التي استعملها في وصف إحدى المدن الاستثمارية معتبرا إياها
مكانا لا يليق إلا بشلح (أمازيغي) ليبتاع فيها (الزريعة)، ؟ فلو قيل هذا الكلام
تجاه كيان عربي أو إفريقي أو امازيغي في بلد أوربي أكيد كانت ستنتفض ضده مختلف
الفعاليات المجتمعية و الحقوقية الفاعلة داخل المجتمع الأوربي الذي جرم كل أشكال
التمييز بين أفراده عن طريق ترسيخ قيم الديمقراطية، أكيد أن السيد البرلماني
المحترم لم ينطق عن هوى و إنما عبر دون شعور و إدراك عن فكر يصعب إزالته أو
تغييره، يعكس نظرة إحتقارية نحو مكوناتنا الإثنية و الثقافية داخل التنوع المغربي
التي أريد لها بسبب طبيعة الحكم في المغرب أن تكون أقل قيمة و أهمية، و هل يمكن الاقتصار
على اعتبار هذا الحدث شيئا عرضيا منعزلا، أم أن لواقع الحال رأيا مخالفا، ربما
علينا أن نتساءل و نبحث إن كان ذلك جزءا من موروثنا الثقافي الذي عات فيه الزمان
فسادا و خرابا أو تطورا طبيعيا لمجتمع لم يستطع إلى حد الساعة أن يدخل في مصالحة
حقيقية مع ذاته و مع كياناته و إثنياته و طوائفه و يرد لها الإنصاف و الاعتبار و
يعيد صياغة معجمه اللغوي و الثقافي بما يلاءم الحداثة و تطور العصر و تنقيته من
المصطلحات المترسبة من زمن السيبة و التطاحنات القبلية التي لا تخلوا من حكاياتها
الذاكرة الشعبية، أم يكفينا فقط تحديث هذا المعجم المثقل بترسبات الماضي لنقول إننا نسير في الطريق الصحيح نحو تشييد الصرح
الدموقراطي بما يواكب المرحلة الراهنة بلوكها السياسي الجديد ذو السبحة و اللحية و
قنديل الزيت المنطفئ، و الذي يستمد نفحاته المباركة من خرافات و شعوذات الشيخ بن
كيران ( و تعزيماته) ضد العفاريت و التماسيح و الديناصورات و كائنات أخرى انقرضت
مع الزمن و تفتتت عظامها، و من طلاسم الوزير الرباح "لي تليق غير لشي فقيه
سوسي إجرب فيها الحكمة ديالو"، أعتذر عن استعمال هذا الوصف العنصري، لكن!
هذا ليس إلا ما علمنا إياه سياسيوا هذا
البلد المحنكين و بعض مثقفيه

0 التعليقات