حقوق الإنسان بعد مرور سنة من عمر حكومة بن كيران




احتفل العالم قبل أيام باليوم العالمي لحقوق الإنسان، ليقف في تلك اللحظة مستحضرا نضالات الشعوب و كفاحها ضد الاستغلال و الاستعباد مدافعة عن حقها في الحرية و الكرامة. و يعتبر موضوع حقوق الإنسان المقياس الأساسي لمدى التقدم الديمقراطي في كل بلد من العالم، و لذلك تسهر الدول العريقة ديمقراطيا على حماية و تحصين حقوق مجتمعاتها عبر الآليات القانونية و الدستورية و المؤسساتية، و تمتيعها بكل الشروط الضامنة لحياة كريمة و حرية في العيش و حق في التعبير.
و إذا كان المغرب حقق بعض المكتسبات بفضل النضالات الشعبية، و خطى الكثير من الخطوات في مجال حقوق الإنسان، و استطاع أن يوسع من هامش الديمقراطية و الحرية عامة و من ضمنها الحرية في إبداء الرأي و الاختلاف، إلا أن هذا التقدم لم يقنع المراقبين بتغيير نظرتهم تجاه المغرب، بدليل التصنيفات المتأخرة التي يحتلها من خلال تقارير المنضمات الدولية و الوطنية العاملة في مجال حقوق الإنسان، مطالبين إياه بالاحترام التام لحقوق الأفراد و الجماعات و حرية التعبير و ما تضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي حدد مفهوم الديمقراطية من خلال ترسانة من البنود و القوانين ذات البعد الكوني، إضافة إلى مطالبته الحكومة بتطبيق مضامين المعاهدات التي سبق أن وقع عليها المغرب. و رغم المجهودات التي تبذلها الجهات الرسمية في محاولة لتحسين صورة المغرب في الخارج، بوسائل أقرب إلى الماكياج الذي قد يخفي التشوهات إلى حين، لكنه لا يغير الواقع، و في مقدمتها "المجلس الوطني لحقوق الإنسان"، "مؤسسة الوسيط"، "المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان"، و رغم الدور الذي لعبته هذه الآليات البيروقراطية في ملئ الفراغ المؤسساتي بالمغرب، إلا أن عملها يبقى دون الفعالية المطلوبة في ظل غياب تام لاستقلال كل من القضاء و الإعلام، و عدم وجود قوانين تضمن لمثل هذه المؤسسات الاستقلالية عن أجهزة الدولة و لعب دور حقيقي في المراقبة و رفع التقارير الدورية و اللحظية، و رغم المبادرات التي قدمتها الحكومة الحالية، كوضع قانون جديد للصحافة و التوقيع عل البروتوكولات الاختيارية الثلاث، المتعلقة بالحقوق المدنية و السياسية و مناهضة التمييز ضد المرأة و مناهضة التعذيب، فضلا عن إطلاق الحوار الوطني حول العدالة، إلا أن هذه الإصلاحات لم ترضي حركة 20 فبراير و القوى السياسية و الحقوقية المؤيدة لها، باعتبارها كانت ستكون ذات قيمة لو تمت قبل الربيع العربي، لكن بعد التغييرات الإقليمية و بروز فكر جديد مناهض تماما للاستبداد، يؤمن بالحقوق التامة و الحرية الكاملة و لا يقنع بمساحات و هوامش الحرية التي كانت تسمح بها الدولة سابقا، فقد أصبح المغرب اليوم مطالبا أكثر من قبل بالاستجابة للمطالب المرفوعة و إحداث إصلاحات سياسية و اقتصادية عميقة، خاصة بعد فشل الحكومة الإسلامية في تحقيق وعودها، و ارتفاع مستوى الاحتقان الاجتماعي بسبب السياسات اللاشعبية و اللاوطنية التي تنهجها الحكومة في مواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية و التي مست القوت اليومي للمواطن، و إخفاقها في التصدي للريع و الفساد، و هو ما أدى بالدولة إلى الرد على احتجاجات التيارات المعارضة بالشارع و العمال و المعطلين باستعمال العنف الشديد و الغير مبرر لتفريق مظاهرات سلمية و اعتقالات في صفوف المتظاهرين خاصة المنتمين لحركة 20 فبراير، و محاكمتهم بالقانون الجنائي حول تهم جاهزة في محاولة لإخفاء انتهاكاتها للمعاهدات و القوانين التي تحمي الحق في الاحتجاج و التعبير السلمي، و قد وصل عددهم حسب تقرير أولي لمجلس دعم حركة 20 فبراير (هيئة حقوقية) نحو 70 معتقلا بلغت الأحكام في حق بعضهم 12 سنة سجنا نافذا و يتوزعون بين عدة مدن، فضلا عن تعرض العديد منهم للتعذيب، و ينضاف إلى هؤلاء المعتقلين، إدريس بوطارادا المعروف بلقب "المقنع" الذي اعتقل يوم 10 ديسمبر 2012، و لم يسلم حتى الجسم الصحفي من الانتهاك، و الذي وجد نفسه بين مطرقة العنف في الشارع بعد تعرض العديد من الصحفيين و المراسلين للتعنيف من طرف قوات الأمن خلال تغطيتهم للمظاهرات رغم إدلاءهم بصفتهم المهنية، و بين سندان التضييق و المنع، حيث تم سحب اعتماد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية عمر بروكسي، و منع عدد من الصحف و المجلات من الدخول إلى المغرب، و هو ما يؤكد تخلف الحكومة عن وعودها بتحسين أداء القضاء و ضمان شروط المحاكمة العادلة و احترام حق الاحتجاج، و كلها وعود جاءت ضمن البرنامج الانتخابي لحزب العدالة و التنمية، أما فيما يخص حقوق المرأة، فإن مجموعة من المكتسبات التي جاء بها الدستور استجابة لعدد من المطالب النسائية، منها تعزيز مشاركة المرأة ضمن الهيئات المركزية لصنع القرار، بالإضافة إلى مطالب بتعديل قوانين الزواج و الطلاق و الحضانة و الميراث، و هي ملفات لاتزال تنتظر فوق طاولة الحكومة
و بعد مرور سنة على تشكيلها، تجد الحكومة نفسها اليوم أمام مجموعة من الأسئلة حول موضوع حقوق الإنسان و التي يتوجب عليها مواجهتها بأجوبة مسئولة و منطقية بعيدا عن لغة التبكي و التشكي و البحث عن الأعذار و نسب الفشل إلى التدخلات الغيبية و عوالم الجن و الخرافات، و إما أن تعلن بكل صراحة فشلها في معالجة هذا الملف الذي يرتبط به مصير شعب و بلد و يبقى هو صمام الأمان للاستقرار و السلم و الوسيلة المثلى لتحسين العلاقات مع الشركاء الدوليين و المنظومة العالمية و من ضمنها الاتحاد الأوربي و الذي بات أقل تسامحا مع الأنظمة التي تمارس الاستبداد و لا تحترم حقوق مواطنيها


هذا المقال نشر على المواقع التالية :  


ط§ظ„طھطµظ†ظٹظپط§طھ :

0 التعليقات